داعش والتحالف أم خیار آخر | ||
ینبغی القول، منذ البدء، إن داعش والتحالف الدولی خیار واحد متبلور ومکتمل الأرکان، وقطعاً لیس لنا أن نختار بینهما، ففی اللحظة التی نختار أحدهما نکون قد اخترنا وجهاً من وجهی عملة واحدة، تلزمنا، شئنا أم أبینا، أن نرى الوجه الآخر لها، ونرضى بتداوله بیننا. هو خیارواحد یجمع بین التخلف والإقصاء وتفتیت المنطقة والاتجاه نحو إحلال التفسیر المشوه للمذهب مکان الدین الواحد، وتقسیم الوطن وأبنائه دویلاتٍ بحجم المِلل التی تتقاتل والنحل التی تتوالد. ویسمح بنهب مواردها، وتجفیف ینابیعها وسیادة الدیکتاتوریة والطائفیة والاستبداد فیها. وجهان للعملة نفسها، کل منهما یمد الآخر بأسباب قوته واستمراره فی طغیانه، ویدفع الآخرین نحو الاستقطاب باتجاه قطبین فی عملیة کیمیائیة بسیطة، من دون وجود أحدهما لا تکتمل المعادلة، ولا تتم. هما طرف واحد، نعم. لیس لأن داعش صناعة أمیرکیة، کما یحلو لبعضهم أن یبسط الأمور ویشرحها. وقد قیل عنها، قبل ذلک، إنها من صناعة مخابرات الأسد وغیرها من الأجهزة الأمنیة، أو أنها حظیت بتمویل وتوجیه من بعض دول الخلیج. قد تتمکن أطراف من توجیه داعش، وجرها عبر سیاساتها إلى المربع الذی ترید، أو المعرکة التی تختار. وهو شیء معروف فی علم السیاسة والحرب، أن تتمکن من دفع خصمک إلى الزاویة التی تریده أن یکون فیها. داعش هی صنیعة الاستبداد وأنظمته، ونتاج للطائفیة والمذهبیة، وإقصاء الآخر وتهمیشه، وغیاب العقل وانحراف الرؤیة عن العدو الرئیسی داعش صنیعة حرب أهلیة فی سوریة طالت الأخضر والیابس، فی أکبر کارثة عربیة منذ نکبة فلسطین وأهلها. فی هذه الحرب الأهلیة المجنونة، حلت الکوابیس مکان الحلم بالحریة وبغد أفضل وبوطن حر. فی هذه الأجواء، نمت داعش وازدادت قوة، وستنمو أکثر فی ظل القصف الجوی والصاروخی الأمیرکی. یقول التحالف (60 دولة) إنه یحتاج بین ثلاث إلى ست سنوات لإضعاف داعش، إضعافها فقط، ثم یحتاج إلى عدد غیر معلوم من السنین للقضاء علیها، هی وصفة لحرب مفتوحة مستمرة، لا أفق لها فی منطقتنا. وقد تمتد لتشمل أجزاء أکبر من حلمنا الذی یئن بین التحالف وداعش. تصرفات داعش وذبحها وسبیها مبرر لاستمرار الهجمة على منطقتنا، لیس للقضاء على داعش، والتی إذا تم القضاء علیها یختفی مبرر وجود التحالف، وتبحث الشعوب ساعتها عن خیاراتها، وإنما لحمایة الاستبداد، وتقسیم المقسم وتفتیته، وترسیخ الکیان الصهیونی جزءاً أساسیاً من منظومة المنطقة، وتحالفات أنظمتها، وامتصاص ما تبقى من خیراتها ومواردها. داعش ستنمو تحت ضربات التحالف التی تأتیها من السماء، وتمنحها مبرراً لوجودها، من دون أن تنال منه، وستفرخ دواعش أخرى، وتمتد لتحارب خصوماً صنعتهم هی بأیدیها. وهی، حتى الآن، لم تقاتل سوى ملتها، ولم تحتل أرضاً، خصوصاً فی سوریة، إلا وکان یسیطر علیها حلفاء الأمس وأعداء الیوم. وفی نهجها أن من لم یبایع خلیفتها هو عدو لها، وحکمه حکم المرتد، وقتاله أولى من قتال الأعداء. أعداء التحالف لیسوا أصدقاءها، ولیست معنیة بصداقتهم أو بکسبهم. هی مشروع لقتال فی جبهتنا الداخلیة، بل، وفی حاضنتها الأولى التی تشکلت بفعل الإقصاء الطائفی والمذهبی والحرب الأهلیة. ترتد علیها لتقسم المذهب، وتفتت الطوائف، وتمزق نسیج الأمة، المتوحد بکل أدیانها وطوائفها وقومیاتها ومذاهبها. نحن أمام إعادة تشکیل لمنطقتنا، بل ولهویتنا الحضاریة، ولحاضرنا ولمستقبلنا، یتفق علیه ضمناً الدواعش والتحالف، ویکمل کل منهما دور الآخر، فی تحالف تاریخی بین الاستبداد والقهر والاستعمار والتخلف. ویقود الأمة بأسرها إلى کارثةٍ محققةٍ، قد تفضی إلى انتهائها کأمة ذات حضارة وتاریخ مستمرین نحو مستقبل مجهول عواقبه. وهنا، ثمة سؤال یتفجر فی الذهن، هل هذا هو قدرنا ومصیرنا؟ أم أن ثمة خیار آخر لنهوض الأمة، وتطلعها نحو مستقبل یزخر بالحریة والوحدة والأمان؟ فی ظنی ویقینی أن ثمة خیاراً ثانیاً لا بدیل عنه، وقد یکون وحیداً أمام کل المتطلعین إلى رؤیة وطنهم على امتداده حراً سیداً موحداً، وله مکانته الطبیعیة بین الأمم. ینطلق هذا الخیار من ضرورة وحدة کل القوى الحیة فی وطننا العربی، على اختلاف مشاربها السیاسیة ومنابعها الفکریة، على قاعدة محاربة الاستبداد والفساد وحق الشعوب فی الحریة، والتخلص من التبعیة للأجنبی، ومساواة مواطنیها على اختلاف أصولهم وطوائفهم ومذاهبهم، ومحاربة الإقصاء والمغالبة والتأکید على أن أمتنا ما زالت فی مرحلة التحرر الوطنی والبناء، ما یستدعی تشکیل جبهات وطنیة عریضة فی شتى المناحی، من أجل تحقیق الأهداف المشترکة، وتغلیب التناقضات الرئیسة، دوماً، على الثانویة منها. هذه الأهداف لا یمکن أن تتحقق، أو تتحد الأمة وقواها حولها، إلا إذا کانت فلسطین ومحاربة الکیان الصهیونی فیها والنفوذ الإمبریالی فی منطقتنا فی القلب منها، وأساساً متیناً لانطلاقها، باعتبارها قضیة عربیة جامعة، توحد ولا تفرق، وتمنع العدو من التوغل فی عمق أمتنا، وتضع أمامها عدوها الحقیقی لمقاتلته، وتوجیه کل أسلحتها نحوه، بدلاً من الأهداف الوهمیة الزائفة التی تغرر بشباب الأمة، وتمعن فیها اقتتالاً وتفتیتاً وتقسیماً. هذا هدف جمعی للأمة بأسرها، إن أرادت الإفلات من واقعها المریر، والتخلص من ثنائیة داعش والتحالف، والتقدم خطوات نحو الأمام، وهو، بلا شک، یحتاج إلى برامج وسیاسات ورؤى وأهداف أکثر تفصیلاً، قد یکون موضوعها فی حلقات ودراسات وأنشطة أخرى نساهم فیها جمیعاً. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 3,583 |
||