الدبلوماسیة العامة للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة وسیلة للحد من خطر الطائفیة فی المنطقة | ||
یکمن الدور الأکثر أهمیة لجهاز السیاسة الخارجیة فی إقامة علاقات على المستوى الدولی لتحقیق أقصى قدر من الأهداف والمصالح المرسومة. وهذا المبدأ یرتبط بشکل مباشر بالظروف الدولیة وظهور جهات فاعلة جدیدة وبروز عدة مستویات من التفاعلات الوطنیة الداخلیة والخارجیة والتی حدت بالدول إلى إیجاد تغییر فی أسالیبها الدبلوماسیة وسیاساتها وتنفیذ برامجها لتحقیق أقصى ما یمکن من الأهداف القصوى وضمان مصالحها الوطنیة. ولهذا عمدت مختلف الدول ومن بینها إیران إلى الاستفادة من مکونات الدبلوماسیة العامة إلى جانب الدبلوماسیة الرسمیة على المستوى الدولی. ویمکن أن تتضاعف أهمیة الوسائل الدبلوماسیة کلما کانت متناسبة مع التهدیدات والفرص الجدیدة. ثورة المعلومات سبب التغیر الرئیسی فی هیکل السلطة یعتقد المفکران "روبرت کوهن" و"جوزیف نای" أن ثورة المعلومات والاتصالات قد ترکت أثر کبیرا وشاملا على مدى قوة وقدرة السلطة وعلى نطاق واسع، وستکون هذه ظاهرة من أهم مصادر السلطة فی القرن الحادی والعشرین على الأرجح. وقدرة البرمجیات لها اثر واضح فی ترویج الثقافات عن طریق البرامج الإذاعیة والتلفزیونیة. وبعبارة أخرى ساهم تطور تقنیة الاتصالات فی تقلیص المسافات الزمانیة والمکانیة فی ظهور التفاعلات العالمیة وبمعاییر ومواصفات مختلفة قیاسا للحقبة السابقة. 1. التغییر فی التفاعلات والتهدیدات لا یقتصر تأثیر الدول والحکومات على بعضها البعض فی عالم الیوم وإنما یلعب الرأی العام العالمی إلى جانب الحکومات والجهات الوطنیة الداخلیة والخارجیة دورا مؤثرا وفاعلا فی رسم العلاقات الدولیة. ولهذا فان العلاقات بین البلدان فی الوقت الحاضر والمعادلات الدولیة لا تحددها الحکومات فقط، بل هی تتأثر بالرأی العام وتقنیة المعلومات والاتصالات بشکل عام. وعالم الیوم یحظى بامتیاز خاص للإقناع والانفتاح وإقامة التحالفات بدلا من استخدام القوة وانعدام الأمن. وعلى هذا الأساس نرى البلدان القویة وصاحبة النفوذ فی العالم تلجأ إلى الاستفادة من الوسائل غیر المباشرة فی إجراء سیاساتها لتحقیق أهدافها وغایاتها بدلا من الدبلوماسیة التقلیدیة والأسالیب الرسمیة. وفی الواقع تشهد العلاقات الدولیة فی الوقت الحاضر نوعا جدیدا من التهدیدات، ولهذا تتطلب العلاقات بین الدول الاستفادة من الأسالیب الحدیثة للتعاون فیما بینها. ولهذا عمدت هذه الدول إلى تغییر سلوکها وتعاملها السابق وأعادت النظر فی أولویاتها من خلال تغییر فهمها وإدراکها لما یجری من أحداث وتطورات وبما یتناسب مع هذه التطورات ویلبی طموحاتها وتطلعاتها فی مختلف المجالات. 1.1 أهمیة ظهور عناصر وطنیة فاعلة فی الداخل والخارج على الرغم من أن النظام العالمی أُسس منذ البدایة وحتى الآن على أساس کون الحکومات هی الجهات الفاعلة الرسمیة والرئیسیة فی رسم العلاقات الدولیة، إلا أن ظهور ثورة المعلومات والتغییر فی مفهوم القدرة وبروز مفاهیم جدیدة کالاعتماد المتقابل والمنافع المشترکة والترابط غیر المتکافئ ساهم فی ظهور لاعبین جدد وهویات متنوعة وفعالة جدیدة على المستوى الدولی بفعل تلاشى أو اضمحلال تأثیر الخصوصیات الذاتیة للدول على طبیعة العلاقات فیما بینها. وفی هذا الصدد برز لاعبون جدد لتمثیل هویات الدول ومصالحها الوطنیة بطرق وأسالیب لا تشبه ما درجت علیه العادة فی السابق، کالشرکات المتعددة الجنسیات التی تبحث عن مزید من الربح الاقتصادی، والجماعات ذات الهویة الإثنیة والدینیة التی تبحث عن مصالح خاصة خارج النطاق الرسمی للدولة والأطر المحددة والمعروفة فی الماضی وهی تسعى لتحقیق مجموعة متنوعة من الأهداف ولعب دور فی الساحة الدولیة والتی تتعارض أحیانا مع السیاسة الرسمیة لتلک الدولة. وفی هذا السیاق تحظى ظاهرة العولمة بأهمیة کبیرة کونها السبب فی بروز شبکات التواصل التی سهلت کثیرا فی شد العلاقات فی مختلف الشؤون وتحویلها إلى أن تکون عالمیة – محلیة فی نفس الوقت على حد تعبیر کاستلز. وقد ساهمت هذه الظاهرة بانتقال التهدیدات البیئیة والأزمات المالیة ومظاهر الإرهاب والتطرف وبسرعة إلى مختلف أرجاء العالم بعد أن کانت مقتصرة على مناطق محددة فی بادئ الأمر. 1.2 ساحات عمل اللعب خارج الحدود أتاح انتقال التهدیدات المحلیة إلى مستوى التفاعلات الدولیة الفرصة للهیئات والمنظمات غیر الحکومیة المؤثرة فی داخل بلدانها للعب دور اکبر فی خارج حدود هذه البلدان إلى درجة أصبحت معها بعض الحکومات مضطرة للانسیاق مع مطالب وأهداف هذه الجماعات والمنظمات، بما فی ذلک منظمات حقوق الإنسان التی استطاعت أن تحد من دور ونشاط الحکومات، والتکتلات الفئویة التی تلعب دورا فی تشکیل ورسم هیکلیة الحکومات، والشرکات المتعددة الجنسیات المؤثرة فی سن القوانین التجاریة والاقتصادیة على المستوى الدولی. وبعبارة أخرى أدى توسیع نطاق أنشطة هذه الجماعات غیر الحکومیة إلى توسیع نطاق عملها وتسربها إلى خارج الحدود إلى الحد الذی باتت معه قادرة على اتخاذ قرارات مستقلة عن الأطر الرسمیة المتعارفة وبالتالی إحداث تغییرات واسعة فی هیکلة النظام الدولی. 1.3 التطور فی مفهوم الأمن أُعتبرت مفاهیم الأمن وحب البقاء ومنذ القدیم من أهم المفاهیم المطروحة فی العلوم السیاسیة والعلاقات الدولیة إلى درجة أن الکثیر من المفکرین والباحثین فی العلوم السیاسیة یعتقدون أن توفیر الأمن یعد من أهم الأهداف التی تسعى الحکومة لتحقیقها على الصعیدین الوطنی والدولی على الرغم من أن مصادیق الأمن هی فی تغیر وتحول دائم على المستویین الداخلی والخارجی. وفی الواقع، کلما واجه النظام الدولی تغییرا فی هیکلته فمن الطبیعی أن یطال هذا التغییر الأسس الأمنیة للسیاسة الدولیة. وبعد أن کانت القوة العسکریة هی الوسیلة الرئیسیة لإقرار الأمن خلال فترة الحرب الباردة، باتت هذه الوسیلة فی الوقت الحاضر اقل تأثیرا عما مضى لحفظ الأمن والاستقرار الإقلیمی والدولی بسبب استحداث مجموعة متنوعة من العوامل الجدیدة لتحقیق هذا الغرض. فعلى الرغم من القدرة العسکریة الهائلة التی تملکها الولایات المتحدة الأمریکیة إلا إنها فشلت فی تحقیق الأمن والاستقرار فی العراق بعد احتلاله من قبلها بسبب التحدیات الأمنیة التی واجهتها فی هذا البلد اکثر من أی وقت مضى. ولا زال هذا الموضوع یحظى باهتمام المحافل السیاسیة فی مختلف البلدان. ولکن جمیع الشواهد والأدلة تثبت أن القوى الکبرى والأطراف الإقلیمیة الفاعلة لا یمکنها تسویة المشاکل الأمنیة الراهنة من خلال اللجوء لاستخدام القوة العسکریة. ولذلک فإن القوة العسکریة قد فقدت إلى حد ما تأثیرها المباشر والحاسم کأداة لإدارة الأمن على الصعیدین الدولی والإقلیمی، ویعتقد العدید من المراقبین والمحللین السیاسیین إن مثل هذا التغییر فی مفهوم ومصادیق الأمن یعود بالحقیقة إلى وجود عناصر جدیدة ولاعبین جدد قادرون على لعب دور مؤثر وفعال فی هذا المجال. وکما حصل فی حربی العراق وأفغانستان غیر المتکافئتین التی شنتهما الولایات المتحدة الأمریکیة على هذین البلدین بالتحالف مع القوى الداخلیة والخارجیة الموالیة لها تسببت هاتان الحربان فیما بعد بسیل من التهدیدات الأمنیة للولایات المتحدة. وهناک أمثلة أخرى على هذا التغییر من بینها الصراعات الطائفیة والقومیة التی تشهدها منطقة الشرق الأوسط فی الوقت الحاضر. 1.4 الطائفیة تهدد الأمن والاستقرار فی المنطقة
على الرغم من الدور الذی یمکن أن تلعبه القوة العسکریة فی إدارة الأزمات الدولیة فی الوقت الحاضر إلا انه لا یمکن اعتبار هذه القوة هی العنصر الوحید والأساسی فی إقرار الأمن والسلم فی العالم ولهذا نرى حصول تغییر فی الرؤیة لهذا الأمر فی الدراسات الأمنیة فی مثل هذه الظروف. ویرى المنظرون أمثال « تدکار» ضرورة دراسة دور العوامل النفسیة فی ظهور واضمحلال الأزمات الداخلیة والدولیة. وبعبارة أخرى یمکن القول أن مجریات الأمن الدولی یمکن التحکم بها من خلال السیطرة نفسیا على العناصر الفاعلة محلیا وإقلیمیا ودولیا فی هذا المجال، فیما یرى منظرون آخرون فی الشؤون الدولیة أمثال «جیسی ماثیوز» أن القضایا العرقیة والبیئیة والثقافیة یمکن أن تلعب دورا مؤثرا فی هذا الإطار جنبا إلى جنب مع التغیرات الدیموغرافیة والتطورات الجیوسیاسیة المؤثرة فی هذا المجال. وحتى "صموئیل هانتنغتون" توصل فی دراساته إلى النتیجة مفادها أن غالبیة التحولات الإقلیمیة والدولیة حدثت غالبا فی المناطق التی طرأت علیها تغیرات اجتماعیة وثقافیة ودیموغرافیة کبیرة. ویرى "صموئیل هانتنغتون" أیضا أن هناک ارتباطا مباشرا بین الأمن الإقلیمی والدولی ومدى القدرة على التحکم بطبیعة الثقافة السائدة. وعلى هذا الأساس، یمکن القول أن الفسیفساء الإثنی والدینی والطائفی المتنوع فی عموم الشرق الأوسط، یعد من العوامل الأساسیة لظهور عناصر جدیدة قادرة على لعب دور مؤثر وفعال على المستویین الإقلیمی والدولی وقد تشکل خطرا على الأمن والاستقرار فی المنطقة والعالم. وبإلقاء نظرة على ما یحدث الآن فی سوریا، نجد أن الطائفیة أدت إلى خلق أزمات کثیرة فی هذا البلد من بینها قضیة اللاجئین والمشردین إضافة إلى تسببها فی زعزعة الأمن والاستقرار فی مختلف أنحاء البلاد، وانتشار الجماعات الإرهابیة فی سوریا والعدید من دول المنطقة کتنظیم داعش أو ما یسمى (الدولة الإسلامیة فی العراق والشام) وهو ما أدى إلى ظهور أزمة جدیدة وخطیرة تهدد السلم والأمن فی الشرق الأوسط برمته. وفی مثل ظل هذه الظروف تبرز جلیاً أهمیة الاستفادة من الأسالیب الدبلوماسیة الواعیة والذکیة لحل الاختلافات والصراعات فی المنطقة وتسویة أزماتها بطرق سلمیة. وعلى الرغم من ضرورة التناسب والانسجام فی معرفة مفاهیم الأمن ومصادیقه والعوامل المؤثرة فی إقرار الأمن أو زعزعته تبرز الحاجة إلى وجود نوع جدید من الأسالیب الدبلوماسیة لمواجهة هذه المخاطر. 2. ضرورة إعادة النظر فی الوسائل الدبلوماسیة کما أشرنا فی بدایة الکلام إلى أن العلاقات الدبلوماسیة بین الدول والحکومات کانت تخضع للأعراف والتقالید المتداولة فی السابق ولم یکن للمواطنین والأشخاص العادیین دور یذکر فی رسم هذه العلاقات إلا انه وبعد حصول الکثیر من التغییرات فی العلاقات الدولیة اصبح للمواطنین والأفکار العامة للشعوب فی مختلف الدول دور مؤثر فی السیاسات الخارجیة لهذه الدول والمنظمات الدولیة والرأی العام العالمی. وبعبارة أخرى ساعدت وفرة المعلومات وزیادة المعرفة لدى الشعوب فی مختلف الدول على إیجاد جو مناسب ساهم إلى حد کبیر فی النهوض بالسیاسة الخارجیة والدبلوماسیة لتلک الدول وزاد من قدراتها على المضی قدما فی هذا الإطار. وفی هذا الصدد عمدت البلدان المختلفة إلى الاستفادة من الوسائل الجدیدة للاتصال وتکنولوجیا المعلومات لرفع مستوى تأثیرها فی العلاقات العامة بین الدول ومواجهة الآثار السلبیة التی نجمت عن استخدام هذه الوسائل. وبالنتیجة فإن مثل هذه التحولات فی المجال الدبلوماسی والسیاسة الخارجیة أفرزت ظاهرة حدیثة نسبیا فی العلاقات بین البلدان تعرف فی الوقت الحاضر بإسم "الدبلوماسیة العامة". 2.1 مکونات الدبلوماسیة العامة
الدبلوماسیة العامة تعنی کیفیة الاستفادة من الإمکانیات الثقافیة ووسائل الاتصال الدولی فی السیاسة الخارجیة والتی أصبحت منتشرة ومتاحة فی الوقت الراهن وهی تشمل الدبلوماسیة الثقافیة ووسائل الإعلام. هذه الدبلوماسیة تتمیز عن بقیة الوسائل السیاسة الخارجیة بأنها الأکثر تأثیرا فی تشکیل الهویة الوطنیة للدول. وقد عُرِّفت الدبلوماسیة العامة فی قاموس المصطلحات الخاصة بالعلاقات الدولیة والذی أصدرته وزارة الخارجیة الأمریکیة عام 1985، بأنها مجموعة البرامج التی تتبعها الدولة لترویج أهدافها ومتبنیاتها عن طریق وسائل الإعلام للتأثیر على الرأی العام فی البلدان الأخرى. والأدوات الرئیسیة للدبلوماسیة العامة یمکن تلخیصها بأنها عبارة عن سبل ترویج النصوص والصور المتحرکة وکیفیة التعاطی ثقافیا معها، وکیفیة الاستفادة من وسائل الإعلام المختلفة کالتلفزیون والرادیو والإنترنت لهذا الغرض. 2.2 الهدف الأساس من الدبلوماسیة العامة تهدف الدبلوماسیة العامة فی الأساس إلى تهیئة الرأی العام فی الدول الأخرى لتقبل الأفکار المطروحة من قبل حکومة ما، والتفاعل بین القطاعات الخاصة وأصحاب المصالح لبلد ما مع نظرائهم فی البلد الأخرى، وتهیئة التقاریر عن الشؤون الخارجیة وأثرها على السیاسة ورسم العلاقات بین الدبلوماسیین والصحفیین الأجانب وتنظیم عملیة الاتصال فی المجال الثقافی. ووفقا لهذا الرأی فإن الدبلوماسیة العامة لبلد ما یجب أن تتماشى مع ما یضخ من معلومات وعقائد إلى الشعوب والأطراف الأخرى خارج حدود هذا البلد. 2.3 مواجهة الطائفیة عن طریق الدبلوماسیة العامة الأمر الأساسی والمهم فی نجاح الدبلوماسیة العامة یعتمد بالدرجة الأولى على مدى القدرة فی إقناع أصحاب القرار السیاسی بالأهمیة الاستراتیجیة لهذا النوع من الدبلوماسیة. ویجب أن تترسخ لدى النخبة السیاسیة بأن ما یجری فی البلد والمنظومة المعرفیة والثقافیة لشعبه وحکومته یؤثر إیجابا أو سلباً على الرأی العام العالمی وبالتالی فإنه سیؤثر بنفس الدرجة على الأمن والمصالح الوطنیة للبلد. ولذلک ینبغی التأکید على أهمیة الهیبة الوطنیة وضرورة انتهاج دبلوماسیة ثقافیة وإعلامیة واعتمادها استراتیجیا من قبل النخبة السیاسیة الحاکمة فی البلد. والشیء المهم الآخر فی هذا المجال هو ضرورة الالتفات إلى أن الدبلوماسیة العامة والثقافیة تقاس قوتها بمدى قدرتها على التلاؤم والانسجام مع القیم المتباینة فی البیئات الثقافیة المختلفة. ومن غیر الممکن الترویج لثقافة وقیم معینة فی بلد آخر ما لم تحترم ثقافة وقیم ذلک البلد. وبعبارة أخرى یجب الانتباه إلى أن الدبلوماسیة العامة والإعلامیة لابد أن تتعاطى مع الآخر بإیصال ما لدیها من أفکار، والاستماع لما یطرحه کی تکون مؤثرة وفعالة. فجمیع الأفکار والمعلومات المطروحة لابد أن تکون قادرة فی البدایة على عبور المُرشِحات الثقافیة للطرف الآخر کی یکتب لها النجاح والتأثیر والقبول لدیه. ولهذا لابد من فهم الأهداف التی یتوخاها الطرف المقابل وإدراک القیم المشترکة بین الجانبین. ومع الأخذ بنظر الاعتبار هذه المسائل یمکن التعویل على قدرة الدبلوماسیة العامة فی التأثیر على بلدان منطقة الشرق الأوسط وتعزیز الأمن والاستقرار فیها رغم المساعی الخفیة والعلنیة التی یبذلها اللاعبون الآخرون للحد من هذا التأثیر من خلال إثارة الاضطرابات والنعرات القومیة والطائفیة. وفی الواقع فأن الدبلوماسیة العامة وما یتفرع عنها أو یرتبط بها کالدبلوماسیة الثقافیة ووسائل الإعلام یمکن توظیفها لإزالة الغموض عن الأفکار المطروحة وتکوین صورة إیجابیة عن هذه الأفکار لدى الأطراف الأخرى وتعزیز التعاون معها على أساس الهویة الإثنیة والدینیة بهدف تحقیق المصالح المشترکة وتعزیز الأمن والاستقرار فی الشرق الأوسط. 3. استعانة الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة بالدبلوماسیة العامة فی التصدی للطائفیة: فی عصر ثورة المعلومات تعد القوة الناعمة أکثر إقناعاً وجاذبیة من القوة العسکریة، ولهذا یمکن الاستفادة من تدفق المعلومات لنقل القیم والثقافة لأی طرف سیاسی وتوظیف قدرات الجهات المؤثرة فی داخل وخارج البلاد لتحقیق الأمن والاستقرار لمختلف الأطراف الفاعلة فی المنطقة والعالم. والجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة من الدول المؤهلة فی الشرق الأوسط للاستفادة من قدراتها الجیوستراتیجیة والجیوبولتیکیة وقابلیاتها الدبلوماسیة العامة فی هذا المجال. کما تستطیع الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة لعب دور هام ومؤثر فی الحد من أعمال العنف فی المنطقة بفضل ما تمتلکه من قوى بشریة کفوءة وماهرة فی الاستفادة من تقنیة المعلومات والاتصالات لعکس صورة إیجابیة عنها لدى الرأی العام من خلال الترکیز على الهویة الدینیة المشترکة مع الأطراف المختلفة والمتصارعة فی هذه المنطقة. وفی الواقع یمکن أن تقدم الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة نموذجا للتعاون السلمی بین مختلف المجموعات فی المنطقة من جانب، وتنیر الطریق إزاء العواقب الوخیمة للتطرف والتحرکات المثیرة للجدل من بعض المجموعات من جانب آخر، وإظهار قدرتها على الحد من میل الناس لاسیما الشباب للانضمام إلى الجماعات المسلحة والعنیفة، لتعزیز الأمن والسلام فی الشرق الأوسط . ومن البدیهی ولأهمیة السلوک الفکری لدى الرأی العام فی تقلیص أو زیادة الأنشطة الطائفیة تبرز وبشکل واضح؛ الضرورة القصوى للاستفادة من وسائط الإعلام المختلفة وعلى نطاق واسع، بما فیها وسائل الإعلام المرئیة والمکتوبة، والاشتراک الفعال فی شبکات التواصل الاجتماعی والتحلی بالمعرفة الدقیقة للفئات المعنیة والمستهدفة فی هذه العملیة. وتحظى إمکانیة الاستفادة من أدوات الاتصال الثقافیة فی الإطار النظری للدبلوماسیة العامة وتوظیف الدور المهم الذی یمکن أن تلعبه وسائل الإعلام فی عصر المعلومات والتواصل الاجتماعی بأهمیة قصوى فی هذا المجال وذلک من خلال تعزیز العلاقات مع الدول المختلفة والتفاعل البناء بین الأطراف الرسمیة وغیر الرسمیة وتعاطی الجهات غیر الرسمیة مع بعضها البعض . والجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة قادرة على لعب هذا الدور لما تتمتع به من إمکانیات هائلة لتفعیل الدبلوماسیة العامة وقدرتها على التحکم بالمخاطر الأمنیة التی تحیط بها دون الاستعانة بالوسائل العسکریة لبسط الأمن والسلم والاستقرار، ومکافحة الطائفیة باعتبارها أحد أهم التهدیدات التی تعانی منها منطقة الشرق الأوسط فی هذه الأیام .
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 3,703 |
||