یوم القدس العالمی قبل ثلاثة عقود | ||
لم تکن القدس على رأس الأجندة السیاسیة فی تلک الأیام التی أعلن فیها الإمام الخمینی رحمه الله اتخاذ کل آخر جمعة من کل شهر رمضان یوماً عالمیاً للأمة الإسلامیة. کانت الثورة الإسلامیة والجمهوریة الإسلامیة منشغلة فی الحرب التی شنت علیها. وکانت الثورة الفلسطینیة تستعد لمواجهة عدوان صهیونی على لبنان بهدف اقتلاعها وتصفیتها، وکان الصراع بین الإتحاد السوفیاتی وأمیرکا على أشدّه. ولم یکن الکیان الصهیونی قد راح یصعّد فی عملیة تهوید القدس والحفر تحت المسجد الأقصى کما یفعل الیوم. فقد کانت أولویته التخلص من وجود المقاومة الفلسطینیة فی جنوب لبنان. بکلمة، جاء نداء الإمام الخمینی أو فتواه بجعل کل آخر جمعة من کل رمضان یوماً عالمیاً للقدس مفاجأة للجمیع، وکأنه راح یُغرِّد خارج السرب کما یقول المثل العربی. فلم یکن هنالک من داع لهذا الترکیز على القدس إذا ما نظر فی الظروف السیاسیة وطبیعة الصراعات وأولویاتها فی ذلک الزمان، أو التوقیت. ولکن الأحداث والتطورّات اللاحقة، ولا سیما بعد عقدین من صدور تلک الفتوى أثبتت النظرة الثاقبة التی تخاطب الزمن القادم، ولیس الحدث الجاری، للإمام الخمینی. فهذه الفتوى هی معاصرة الیوم بعد ثلاثة عقود أکثر من أی فتوى حول القدس تقتضیها المخاطر التی تتعرّض لها القدس فی هذه المرحلة. یمکن أن نقول الیوم أن الإمام الخمینی کان مدرکاً أهمیّة القدس فی مجرى الصراع حول فلسطین کما لم یفعل أحد فی زمانه. کان الترکیز کل الترکیز على مخاطر العدوان الصهیونی وتوسّعه ولیس على خط تهوید القدس وهدم المسجد الأقصى وإخراجها من الصراع الذی أراد البعض أن یحصره فی الضفة الغربیة وقطاع غزة وإقامة دویلة فلسطینیة، فیما أراد الخمینی جعل معرکة القدس فی المقدّمة. من یتابع الیوم کیف أخذ الصراع یتبلور حول القدس ومستقبلها، وفی قلبها المسجد الأقصى أولى القبلتین الذی یعمل الصهاینة لیل نهار على هدمه وبناء الهیکل المزعوم مکانه یدرک أبعاد تلک الفتوى التی عملت قبل ثلاثة عقود على القیام بتعبئة دائمة حول القدس والتحضیر لما ینتظرها من تدافع حاسم. إن یوم القدس أراد له الإمام الخمینی أن یکون یوم وحدة المسلمین باعتبارها الشرط الأول لردع الأعداء وتحریر الأمّة من السیطرة الأمیرکیة وهو طریق إنهاضها. ویوم القدس یعنی التعبئة الجهادیة العامة من أجل تحریرها وعدم السماح بالمساومة حولها أو التخلی عنها، أو القبول بحیّ هامشیّ من أحیائها لینوب عنها کلها، کما یطالب المفاوض الفلسطینی الآن. وفی هذا تفریط فی القدس وتزویر لها. وقد بدأ التزویر بقسمتها إلى "قدس غربیة" و"قدس شرقیة"، علماً أن القدس واحدة لا یجوز أن یفرّط بأی جزء منها، أو یُعترَف به عاصمة لدولة الکیان الصهیونی غیر الشرعیة أصلاً، مقابل جزء صغیر فی شرقی القدس یعترف به عاصمة لدویلة فلسطینیة مسخ. فالقدس واحدة ویوم القدس العالمی یقصدها کاملة. ومن خلال ذلک تقوم نظرة تحریر فلسطین کل فلسطین. لأن القدس الواحدة تعنی صراع الوجود فی فلسطین کلها، وعلى فلسطین کلها. أما الفُتات الذی یُرمى الآن للمفاوض الفلسطینی یعنی القبول به تصفیة القضیة الفلسطینیة. ومن هنا یکون التجاوب العالمی مع نداء أو إعلان أو فتوى یوم القدس العالمی من کل آخر جمعة، من رمضان فی کل عام ضرورة ملحّة فی هذه الأیام أکثر من أی یوم مضى. فالمخططات الصهیونیة لهدم بیوت الفلسطینیین فی القدس وما حولها، ولمصادرة مقبرة مأمن الله الواقعة فی قلب القدس وإقامة ما تسمّى "حدیقة الإستقلال" مکانها، وبناء "کنیس الخراب" بجوار المسجد الأقصى، والإسراع فی الحفریات من تحته والتصعید فی تهجیر العرب المقدسیین من مسیحیین ومسلمین، کل ذلک یؤکد أن القدس الیوم تستنجد بالأمّة الإسلامیة لتهبّ لنصرتها وتحریرها، ولیس الإنتظار للبکاء علیها ولطم الصدور بعد تهویدها وهدم مسجدها الأقصى. کل ما نشهده الیوم من مخططات لتحویل القدس إلى مدینة یهودیة بالکامل لم یکن قائماً یوم صدور فتوى الإمام الخمینی. وإن کل ما تتطلبه نصرة القدس الیوم على مستوى عالمی لم یکن قائماً قبل ثلاثة عقود. ثمة بیت من الشعر للمتنبی فی سیف الدولة یقول فیه ما معناه أن عینیه الیوم ترى ما تراه أعیننا غداً. فقد رأى الإمام الخمینی بعینه الثاقبة عبر إعلانه فتوى "یوم القدس العالمی" قبل ثلاثة عقود ما تراه أعیننا الیوم، من أولویة للقدس وضرورة حشد الأمّة کلها من أجل تحریرها.
منیر شفیق
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,655 |
||