داعش ، الخلفیة العقائدیة و الممارسات العملیة | ||
حسین رویوران
التیارات السلفیة التکفیریة خاصة تنظیم القاعدة و داعش ، ظاهرة جدیدة برزت الى واجهة الاحداث فی العالم الاسلامی خلال العقود الأخیرة ، بصفتها لاعباً فاعلاً فی الساحة السیاسیة لمنطقة غرب آسیا و شمال و وسط أفریقیا . ان ظهور الخلاف السیاسی لاسیما بالنسبة للأولویات ، بین التنظیم الأم ، أی القاعدة ، و بین داعش ، بعد اندلاع الاحداث فی سوریا عام 2011 ، و بسط داعش لنفوذه فی الاجزاء الغربیة من العراق و شرق سوریا ، أثار تساؤلات کثیرة حول هذا التنظیم . و مما یؤسف له هو أن الجانب الأکبر من هذه الاسئلة بقی دون اجابات واضحة حتى هذه اللحظة . و لعل فی مقدمة الاسئلة : کیف ظهر داعش الى الوجود ؟ و من الذی کان وراء ظهوره ؟ و ماهی الدوافع و الاهداف التی تکمن وراء ذلک ؟ و بماذا یختلف هذا التنظیم عن التنظیم الأم القاعدة ؟ و ما الذی دعا الاطراف التی کانت تدعمه بالامس ، لأن تغیر موقفها و تقرر محاربته فی اطار تحالف عسکری دولی ؟ . ما مسلم به هو أن الغرب لعب دوراً بارزاً فی وجود القاعدة بأفغانستان تحت ذریعة التصدی للاحتلال السوفیتی لهذا البلد ، حیث عمل بمساعدة السعودیة و عدد من مشیخات الخلیج الفارسی ، باستقطاب الشباب المتحمس و المندفع فی البلدان العربیة تحت واجهات اسلامیة ، و الزج بهم فی الحرب الباردة ضد منافسه ، غافلین عن أن هذه الظاهرة سرعان ما سوف تتحول الى معاداتهم بسبب الهیمنة الغربیة على معظم الدول الاسلامیة . أن حادثة الحادی عشر من سبتمبر التی استهدفت برجی التجارة العالمیة فی نیویورک ، کانت قد لفتت الانظار الى أن تنظیم القاعدة الارهابی قد وجه سهامه صوب أمیرکا ، من خلال التفجیرات التی شهدتها کل من لندن و مدرید ، و أنه عملیاً بات یشکل تهدیداً حقیقیاً للغرب . کما أن أموج الصحوة الاسلامیة التی انطلقت من تونس و عمت بلدان مصر و لیبییا و الیمن و البحرین ، کانت قد شکلت هی الأخرى تهدیداً آخر للغرب ، لأن الجماهیر التی اندفعت فی هذا المد الثوری العارم ، قد انتفضت ضد الانظمة المتحالفة مع الغرب . و أن ماهیة هذا التعارض و التضاد الجدید المعادی للاستکبار ، قد اتضحت تماماً من خلال هجوم الجماهیر الثائرة على السفارات الامیرکیة و الاسرائیلیة . اضافة الى أن اتساع نطاق النشاط الاسلامی فی امواج الصحوة ، قد ضاعف من حجم التعارض و التضاد مع الغرب . ذلک أن الکثیر من التنظیمات و التیارات الاسلامیة قد تخلت عن نظیریة الغلبة المذهبیة فی هذا التحرک . فالى ما قبل انطلاقة الصحوة الاسلامیة کانت الغالبیة من الاسلامیین السنة یؤمنون بضرورة اتباع الحاکم ، حتى ان تنظیماً اسلامیاً نظیر حرکة الاخوان المسلمین فی مصر ، و رغم کل القمع الذی تعرضت له على ید النظام الجمهوری منذ عام 1954 ، بایعت انور السادات عام 1970 ، و حسنی مبارک عام 1981 . و فی هذا الصدد برر عمر التلمسانی مرشد الاخوان المسلمین هذه البیعة مستدلاً بالحدیث الذی یروى عن الرسول الاکرم (ص) : ( من مات و لم تکن فی رقبته بیعة مات على غیر دین الاسلام ) . بید أننا کنا قد شهدنا اثناء انطلاقة الصحوة الاسلامیة عام 2011 ، مشارکة واسعة للتیارات الاسلامیة فی الثورة ضد الانظمة التی تمت مبایعتها من قبل ، و کانت هذه الظاهرة شاملة و مشهودة تماماً فی تونس و لیبیا و مصر و الیمن ، مما یعنی أن نظریة الغلبة و مبایعة الحاکم و إن کان فاسقاً أو ظالماً ، قد انتهت بالنسبة للاسلامیین و حل محلها تصوراً جدیداً . أن فتح باب الاجتهاد فی مجال الفقه السیاسی لدى المذاهب السنیة تحت عنوان ( فقه الواقع ) ، و محاولة تعریف نظام اسلامی فی سیاق الاطر المدنیة و العقود الاجتماعیة تحت عنوان ( دولة مدنیة ذات مرجعیة اسلامیة ) ، قد أوجد وضعاً جدیداً و تحولاً من النموذج المنحصر بنظام الخلافة ، الى نموذج الدولة المدنیة الاسلامیة . و أن مثل هذا التحول قد تم على اساس مفهوم مقاصد الشریعة لدى فقه أهل السنة . و بتعبیر آخر ، ان الاسلامیین یرون بأنه اذا کان نظام الخلافة غیر قابل للتطبیق فی ظل الظروف الراهنة ، فأنه ینبغی متابعة اصول العدل الثلاثة ، أو مبدأ ( الحکومة الرشیدة ) و مبدأ الشورى ( الانتخابات ) على أقل تقدیر ، حتى أن هذه الاهداف باتت فی الوقت الحاضر تمثل اساس نشاط الکثیر من الاحزاب السنیة فی العالم الاسلامی . و أن مثل هذا التحول الفکری قد اوجد نوعاً من التقارب فی الرؤیة و التصور بین المذهب الشیعی و المذاهب السنیة ، إذ أن هذا التحول قد جعل فی النهایة اتباع أهل السنة – شأنهم شأن الشیعة – ینشدون لحاکم الصالح الذی یتسم بالعدل و یحکم على اساس تعالیم الاسلام ( الفقیه) ، و یتولى الحکم بناء تصویت الشعب ، و یکون فی خدمة المجتمع . أن هذه التحولات الثلاثة ، أی معارضة القاعدة للتغرب ، و معارضة الجماهیر للانظمة المستبدة الموالیة للغرب، و توفیر أرضیة الوحدة الدینیة فی العالم الاسلامی ، شکلت تهدیداً قویاً لمصالح الغرب فی المنطقة . و لهذا یحاول الغرب الخروج من هذه التعارضات و الازمات ، من خلال تنفیذ سیناریوهات جدیدة ، و إعادة ترتیب علاقاته السلطویة بدول المنطقة باسلوب جدید . ان مباشرة الغرب بتنفیذ مشروع اسقاط النظام الحاکم فی سوریا عام 2011 ، باتفاق تام مع قوى اقلیمیة لاسیما ترکیا و السعودیة و قطر و الاردن و الامارات العربیة المتحدة ، کان بمثابة سبیل الحل الذی لجأ الیه الغرب للتخلص من کل هذه التناقضات . و فی ضوء هذا السیناریو ، حاول استغلال أجواء الصحوة الاسلامیة للتعتیم على الاوضاع السیاسیة من خلال تنفیذ مشروع اسقاط النظام فی سوریا . و من خلال تأسیس الجیل الثانی للقاعدة تحت مسمى داعش و جبهة النصرة داخل الاراضی السوریة و تقدییم مختلف انواع الدعم لها ، سعى الغرب الى ایجاد منافس للقاعدة یعمل بطریقة مختلفة مستفیداً من التناقضات التی طرأت. و مما یذکر فی هذا الصدد أن الولایات المتحدة تحاول أن تنقل التعارض بینها و بین القاعدة الى صراعات داخل التنظیم ، و هذا ما یبرر ظهور جیل جدید للسلفیین التکفیریین بأهذاف و توجهات متفاوتة عن توجهات التنظیم الأم . و فی هذا السیاق حاول الغرب حرف الانظار عن توجهات الصحوة الاسلامیة ، و حرص من خلال الزج بلاعب جدید یدعى السلفیون التکفیریون – الجیل الجدید ، على نقل التعارض بین الجماهیر وبین الانظمة الموالیة للغرب ، الى صراعات فی اوساط الجماهیر . و ان انعدام الامن على نطاق واسع فی العراق و سوریا و لبنان و الیمن و لیبیا و شبه جزیرة سینا ، ما هو إلا نتیجة للمشروع الغربی . أن تأکید الجیل الثانی من القاعدة تحت مسمیات داعش و جبهة النصرة ، على أولویة قتل الشیعة و محاربة الاقلیات المذهبیة و الدینیة ، یعد جانباً من هذا المشروع لترسیخ التناقضات الجدیدة داخل المجتمع ، و بالتالی إلهاء بصراعات طویلة لیست لها نهایة . ولا یخفى أن مثل هذا التعارض المذهبی الدامی الذی قل نظیره فی التاریخ ، ما هو إلا جزءً من السیناریو الغربی – الترکی المدعوم من قبل الرجعیة العربیة ، و الذی یهدف الى مصادرة الارضیة الجدیدة و الفرص المتاحة لتضامن العالم الاسلامی و اتحاده ، و محاولة التصدی لتنامی نفوذ النظام الاسلامی فی ایران على صعید المنطقة و العالم الاسلامی . أن ما مسلم به هو أن معادلة داعش السیاسیة فی المنطقة ، معقدة للغایة و فیها أکثر من مجهول ، و لا یمکن ادراکها جیداً من دون الاخذ بنظر الاعتبار الحقائق المیدانیة . و لا شک أن فهم و وعی الدور الغربی فی هذه المعادلة ، و محاولة تغییر التناقضات التی شکلت سبباً رئیسیاً فی دعم الغرب لهذه الجماعات خلال السنوات الثلاث أو الاربع الماضیة ، یحظى بأهمیة بالغة . و لا یخفى أن الدعم المباشر الذی یقدمه الکیان الصهیونی لهذه الجماعات ، بما فی ذلک معالجة 1600 شخص من جرحى التکفیریین ، ییعتبر شاهداً آخر على تضامن هذا الکیان مع السیناریو الغربی هذا . و من الواضح أن السیناریو الغربی الذی یتمحور حول اسقاط الانظمة و تقدیم الدعم لهذه الجماعات التکفیریة بما یمنحها القوة و القدرة المسموح بها ، قد جعل من هذه الجماعات بدرجة من النفوذ و القوة یصعب احتوائها و التحکم بها ، نتیجة انضمام اعداد کبیرة لها غیر متوقعة من المتطوعین من المحبطین و المتذمرین من ابناء المنطقة ، و بالتالی أخذت فجأة تهدد حلفاء الغرب فی المنطقة . و نتیجة للاوضاع الجدیدة الطارئة و غیر المتوقعة ، اضطر الغرب الى تغییر استراتیجیته ، لأنه کان یتوقع من هذه الجماعات العمل على اسقاط النظام فی سوریا ، إلا أنها باتت تشکل تهدیداً للعراق و السعودیة و الاردن ، و لجأ الى تشکیل التحالف الغربی لاستهداف داعش و محاوولة احتوائه على حد قول أوباما ، و إعادته الى بیت الطاعة من خلال الضغط العسکری ، حتى یبقى تحت السیطرة على الدوام ، و یقوم بدوره ضمن الاطار الذی یرسمه له اسیاده . | ||
الإحصائيات مشاهدة: 3,622 |
||